المسحراتي: بن لادن يبدأ من حيث انتهى لورنس العرب
Name:
Location: United States

6/13/07

بن لادن يبدأ من حيث انتهى لورنس العرب




أنيس النقاش *



توماس ادوارد لورنس المعروف باسم لورنس العرب اسم طبع التاريخ العربي الحديث أكثر مما طبعه اي زعيم عربي او أجنبي آخر. كيف لا وهو صاحب الصولات والجولات في طول الاراضي العربية وعرضها بحثا عن الحلفاء الذين قاد معهم ما عرف في ما بعد بالثورة العربية الكبرى (كذا) وضد من؟ ضد السلطنة العثمانية التي كانت تمثل الخلافة الاسلامية والتي أصبحت في ما بعد وحتى يومنا هذا آخر خلافة اسلامية.



حينها برز اسم لورنس العرب كضابط ارتباط بين حكومة ملك بريطانيا والشريف حسين حاكم مكة والكل يعرف الدور الذي لعبه لورنس في التحضير لهذه الثورة وقيادته للعمليات العسكرية التي قادت في النهاية لسقوط العقبة واندحار القوات العثمانية أمام تقدم القوات الانكليزية. ومع الثورات المتعددة في الاراضي العربية الاخرى في سوريا والعراق وغيرها استطاعت كل من فرنسا وبريطانيا ان تقضي وبالتعاون مع ايطاليا واليونان على آخر ما تبقى من الخلافة العثمانية. كل ذلك جرى تحت شعارات الحرية والاستقلال ورفع الظلم الذي تمارسه هذه السلطنة وحكامها على محكوميها. خلف كل هذا المشهد البراق من الثورات وشعارات الحرية كانت حقائق الكواليس والدسائس الدولية اكثر سوادا مما كانت الأمور تريد ان توحى لشعوب المنطقة وتحولت وعودها الى كوابيس لم تفق منها الامة حتى يومنا هذا. فعلى خلفية الثورة العربية الكبرى وشعارات الحرية كانت لليرة الانكليز الذهب الكلمة الاولى في تحريك القوى واستنهاض الأمم. وهذا ليس بالتجني، لكن، للأسف الشديد هذا ما تؤكده حقائق الوثائق التاريخية التي لم تعد خافية على من يريد الاطلاع عليها وتكليف نفسه عناء فهم التاريخ العربي المعاصر وأسسه للوصول الى الحرية المبتغاة.كان المثقفون حينها يحلمون بغد أفضل وقد سطروا الشعر والمقالات من أجل الحرية وامتلأت السجون ببعضهم وسقط منهم الشهداء وما زلنا نحتفل بعيدهم حتى يومنا هذا. ومع هذه الجمهرة من المثقفين والطامحين لغد أفضل كانت هناك العشائر التي تتحرك، وبفاعلية، لضرب مواقع قوات السلطنة والالتفاف عليها من الخلف. وسمع العالم بعشائر الحويطات التي قدمت النصر للانكليز في العقبة. ولان النصر أتى من طريق العشائر، وبفضل الليرة الانكليزية، كان لا بد للتاريخ من ان يأخذ مجراه في هذا السياق، فاستفاق العرب على اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت أراضي السلطنة والخلافة الاسلامية الى مناطق نفوذ بين فرنسا وبريطانيا، ولولا الثورة الشيوعية وتروتسكي الذي كشف وثائقها التي كانت نسخ منها قد أرسلت لقيصر روسيا حليف بريطانيا في حينه لكان قد كتب على العرب ان يبقوا على جهلهم لهذه الوثيقة. كما استفاق العرب على وعد بلفور الذي أدى، على رغم معارضتهم له، الى قيام دولة إسرائيل، واستفاقوا على واقع التجزئة والدول القطرية التي قسمتها القوى الكبرى في ما بينها لتسود سياسة فرق تسد وتخرج الثورة العربية الكبرى على خريطة من الدول ذات السيادة والحدود المتنازع عليها.ولم يكتف أسياد لورنس بخيانة آمال الثورة العربية الكبرى بقيام وطن موحد يحكمه الشريف حسين بل ضربوه في عقر داره في شبه الجزيرة العربية عندما دعموا خصمه ابن سعود وطردوه من الجزيرة. ويقول لورنس ان هذه المهمة، اي مهمة الاتصال بابن سعود كان يجب ان تؤول اليه لولا كسر في كتفه أبعده عن الساحة للاستراحة في أوروبا وعندما عاد من إيطاليا على متن إحدى الطائرات البريطانية التقى بالمدعو فيلبي الذي كان هو الآخر اختصاصيا بالشؤون العربية وكلف، بدلا من لورنس، بمهمة الاتصال بابن سعود لايجاد حل للصراع في منطقة الحجاز. ويقول فيليبي في أحد تقاريره أنه وجد لدى ابن سعود نظرية تقول بأنه من الممكن التوصل الى تفاهم ما مع أهل الكتاب لكن لا يمكن التفاهم مع المسلمين الذين خالفوا العقيدة الاسلامية، ولذلك تجب محاربتهم حتى يعودوا الى أصول الدين. ويقول فيلبي في هذا التقرير أنه “على رغم عدم تأييدنا لهذه النظرية الا انه لا بأس من دعمها لأنها تخدم مصالحنا”. ثم ينتقل ليتحدث في نفس التقرير عن مدى احتياج ابن سعود لليرة الذهبية الانكليزية لتمويل حملته ولصرف الاموال على العشائر لكسب طاعتها وتجييشها في حربه في الجزيرة. واستفاقت شعوب السلطنة العثمانية التي كانت تحمل هوية مواطني السلطنة وتدين بالولاء للسلطان الذي هو خليفة المسلمين على هويات متعددة وقوميات شتى. وكانت القومية والفكر القومي في حينها آخر ما تفتق عنه الوعي في الغرب الذي كان قد انتهى لتوه من حروبه الداخلية ووحد إماراته في بلدان كبرى دعمها بالوعي القومي لكي تكون لحمة للشعوب الجديدة المتحدة بالكيان الجديد. وهكذا تراجعت لحمة المسلمين ووحدتهم بالهوية الانسانية الاسلامية من دون فرق بين قومياتهم وأعراقهم ليجدوا أنفسهم يغوصون في الحروب القومية ومن ثم الحروب القطرية. بعدما أنهى لورنس مهمته في الشرق الاوسط حيث نجح في تأليب مواطني السلطنة على الخليفة السلطان وتقسيم المنطقة، وبعدما ذاع صيته في العالم كله وليس فقط في بريطانيا موطنه الأصلي قررت وزارة الدفاع البريطانية إرساله في مهمة الى بلد استعصى عليها على رغم انها استطاعت إخضاع جارة له (الهند) هي أكبر منه بكثير، والبلد المقصود هو أفغانستان. وبهذا القرار أرسل لورنس الى محمية ميرانشا على بعد ستة عشر كلم من الحدود الهندية الافغانية في حينه. يومها، كشفت صحيفة “تايمز أوف انديان” أمره وتساءلت عن المهمة الموكولة الى الجاسوس لورنس واذا ما كانت تشبه تلك التي قام بها في الشرق الاوسط اي إثارة القبائل والحروب الداخلية. كما أثار الخبر صحيفة “برافدا” الشيوعية التي أدانت إرسال لورنس الى الحدود الأفغانية. ومع انفضاح أمر لورنس اضطرت بريطانيا الى سحبه من المنطقة وانتهى بذلك دوره الأمني. بعد مرور أكثر من ثمانين عاما، وهو رقم أشار اليه أسامة بن لادن في خطابه الموجه للأمة، يأتي رجل من الجزيرة العربية، أرض محمد، ليس بعينه مال ولا سلطان، وهو الذي ولد في عائلة غنية جدا، فيكرس ماله وحياته في نقطة من أفقر نقاط العالم، وهي بالطبع من أفقر بلاد المسلمين، ليقول أولا، وبهذا الموقف الشخصي، ان الليرة الانكليزية التي صنعت جزءا من تاريخ هذه الامة لا تعني له شيئا. ثم يسعى لتجميع العرب أساسا وغير العرب من المسلمين من كل أنحاء العالم في بلاد الأفغان وهي المعروفة عند العرب ببلاد العجم، لإقامة أول امارة إسلامية، وليمد يد العون لمنظمات اسلامية في طاجيكستان وأوزبكستان (وهي ذات العرق التركي) في ما تسعى اليه لإقامة الدولة الاسلامية وبل محاولة إحياء الخلافة الاسلامية، وكأنه بذلك يريد ان يمحو عار ثمانين عاما من الضياع وتحدي غلبة الليرة الانكليزية التي استبدلت بالدولار الاميركي وليسقط عن العرب تهمة “العرب سيس” وهي، تعني، باللغة التركية، العرب الخونة الذين تعاملوا مع الانكليز ضد الخلافة الاسلامية. لا نعرف ما اذا كان اسامة بن لادن يعرف شيئا عن مهمة لورنس الفاشلة في أفغانستان ولكنه يعرف حتما دور لورنس وأسياده في رسم خريطة ومعالم العالم العربي والاسلامي الحديث. وقد يكون من سخرية القدر ان تكون هذه الصدفة جعلت من بن لادن ينطلق من مواقع فشل لورنس. لكن ما يهمنا هنا هو التأكيد، وكما هو ظاهر حتى الآن، ان الامة لم تصح من كبوتها بعد ولم تعرف ان أول شروط الانتصار هو محو وهم الانتصار. فمن يظن نفسه منتصرا في فترة تاريخية ويرسي بنيانه وتاريخه وحاضره وفكره السياسي على هذا الأساس وهو ليس بذلك فلن تقوم له قائمة بل سيكون كمن يتخبطه الشيطان بالمس فيهيم على وجهه من هزيمة الى اخرى. هكذا هي حال الامة ومن لم يدرك ذلك ما عليه سوى النظر الى فلسطين وما يجري فيها، والاهم هو النظر الى ردود فعل الحكومات المتولدة من الثورة العربية الكبرى ونتائجها وانقسام الأمة الى قبائل تتوزعها المصالح والأهواء، ولكل علمه ونشيده الوطني. فهل تظن النخب ان إسرائيل (وليدة الثورة العربية الكبرى وإحدى نتائجها) يمكن ان تزول او مجرد ان تردع بحيث يعود الشعب الفلسطيني الى أرضه وينال استقلاله، من دون البحث عن أسباب اقامة هذا الكيان وعن أسباب تقسيم الأمة في سايكس بيكو وسلبها مواقع قوتها لتتقاذفها أرجل الأمم المستقوية، كل يركلها بحسب مصلحته؟





0 Comments:

Post a Comment

<< Home

Free Web Counter
number of visitors numbers of hits
numbers of hits